رواية انا والطبيب قيس وقدر كاملة جميع الفصول بقلم ساره اسامه

رواية انا والطبيب قيس وقدر كاملة جميع الفصول بقلم ساره اسامه


رواية انا والطبيب قيس وقدر كاملة جميع الفصول هى رواية من كتابة ايه عرفات رواية انا والطبيب قيس وقدر كاملة جميع الفصول صدر لاول مرة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك رواية انا والطبيب قيس وقدر كاملة جميع الفصول حقق تفاعل كبير على الفيسبوك لذلك سنعرض لكم رواية انا والطبيب قيس وقدر كاملة جميع الفصول

رواية انا والطبيب قيس وقدر بقلم ساره اسامه

رواية انا والطبيب قيس وقدر كاملة جميع الفصول

- الدكاتره كلهم رفضوا المريضة دي للأسف يا دكتور لأنهم فشلوا معاها فشل ذريع، هي مجنونة من الأخر أو ممكن نقول ميتة..
مفيش أي تحسن ملحوظ ولو واحد في المية، محدش قدر يخرجها ولو خطوة واحدة من إللي هي فيه.
بصراحة صعبت عليا هتفضل عالطول كدا، دي عايشة ولا كأنها عايشة، على كدا أيامها معدودة ومش هتكمل عمرها.
رد الطبيب بأسف:-
- أنا يأست معاها وجربت كل أساليب العلاج ومفيش فايدة كنت قربت أتجنن، ومقدرتش أواصل أكتر من كدا واعتذرت.
- دا الدكتور السابع إللي يرفض الحالة ويفشل معاها.
كانت هذه جلسة لأطباء مشفى السبيل للأمراض النفسية والعقلية من بينهم الطبيب الجديد الذي استمع لكل كلمة بإنصات واهتمام.
قام من مكانه ثم هتف بهدوء ناطقًا بقراره المجنون المتهور:-
- أنا بقبل المريضة وتبقى حالتي الأولى هنا.
صُدم الجميع من قراره بعد كل ما قيل، هل سيكون أفضل من السبع الأطباء الذين أخفقوا!!
هتف الطبيب ماهر بتحذير:-
- إنت لسه جديد في مستشفى السبيل يا دكتور قيس، ولو دي حالتك الأولى هيكون في إحباط شديد لك.
إحنا واثقين من خبرتك ومن جدارتك بس إحنا متأكدين بردوه إن مفيش حالة زي دي قابلتك،
أتمنى تفكر وتسيب المريضة دي لحال نصيبها،
إنت متعرفش الحالة صعبة إزاي، ياريتها مثلًا بتثور ولا لها أي ردة فعل.
دي مهما عملت مش بيصدر منها أي ردة فعل وتقريبًا فاقدة النطق.
ارجع عن القرار المجنون ده يا قيس إنت لسه في بداية طريقك هنا.
قال بحسم وأعينه تشع إصرار:-
- عايز تقريرها لو سمحت يا دكتور ماهر أنا واثق من قراري وهباشر معاها العلاج والمتابعة من النهاردة وبإذن الله ربنا يشفيها ويجعلني سبب.
حرك الطبيب ماهر رأسه بقلة حيلة وقال:-
- إنت حر جرب مش هتخسر حاجة.
اتفضل دا تقريرها وأوضتها رقم ٢٠.
أمسكهم بإصرار وقال بصرامة:-
- شكرًا يا دكتور، بالتوفيق للجميع.
وخرج حيث مكتبه يتطلع للتقرير ما بين ذهول وتعجب وحيرة وحزن ثم بقوة خرج وصعد حيث الغرفة ٢٠ ليقابله مصير مجهول..
                 *****************
اقترب من الغرفة حتى توقف أمام بابها بملامح وجه معقودة ثم أخذ يتنفس بعمق مراتٍ عِدة قبل أن يدلف للداخل بعد أن طرق الباب بخفة..
لكن ما قابله بالداخل جعل الدماء تتجمد بجسده..
ظلام دامس تغرق به الغرفة إلّا من شعاع الضوء العليل هذا الذي ينبعث من نافذة دائرية ذات زجاج قاتم..
اقترب وهو يلمح جلوسها بتصلب فوق الفراش بسكون مهيب..
وسؤال واحد قُذف لعقله..
كيف لفتاة أن تُعالج من أزمة نفسية وسط هذا الظلام والكئابة؟!!
شعر بالغضب يسرى بأوردته غير متقبل هذا الأمر بتاتًا وهرع يُبعد الستائر ذات الألوان المُظلمة ثم أخذ يفتح النوافذ باتساع..
لتكون المفاجأة الثانية من نصيبه وهو يرى هذه الغرفة التي أقل شيء يُقال عنها أنها تُصيب بالأزمات النفسية..
الغرفة خالية إلا من مقعد واحد وفراش...
وألوان جدرانها رمادية باهتة، هل هذه أجواء يُعالج بها شخص مُحبط..!!
وسؤال أخر يدور بفلكه..
لماذا هذه الغرفة ليست كبقية الغرف!!
بقية الغرفة تعج بالحياة والأمل، ملونة بألوان زاهية مُزينة والضوء يغمرها وحديثة بأعلى المستويات كمستوى مشفى السبيل..
التفتت شاعرًا بنبض قلبه بعنقه لتقع أنظاره على الفتاة..
ظلت أعينه متوسعة تتأملها، باهتة، ساكنة، كاسفة، انقطعت أخبار الحياة عنها..
وجه شاحب، أعين يُكللها حلقات سوداء تلتف من حولها، جسدٌ باهت هزيل يتدلى فوقه ثوبٌ أبيض قطني بأكمام متسعة، بينما خصلات شعرها التي استرقت أغرب لون رأته عيناه، اللون النُحاسي..
تجلس وأعينها شاخصة في الفراغ بينما تضم ركبتيها لصدرها ولا يُشعرك أنها على قيد الحياة سوى رمشها بأعينها بين الحين والآخر..
كان قيس مأخوذًا مبهوتًا فسار حتى جذب المقعد وجلس بجانب فراشها يناظرها بشفقة وفضول فهي يلفها علامات استفهامية عديدة..
تنحنح ثم قال يجذب انتباهها:-
- أنا قيس..
وابتسم يكمل بمرح:-
- بس لا لا مش بتاع ليلى بس بيقولولي إن أمي هي إللي سميتني قيس أصلها كانت بتحب الأدب ومُعجبة باين بقيس بن الملوح..
بس مش تقلقي أن قيس البنا بس..
وكأنها لم تستمع لحديثه من الأساس لم يصدر عنها أي ردة فعل تدل أنها استمعت إليه..
واصل يتسائل ببعض الهدوء وهو لم يتفاجئ بردة الفعل هذه:-
- اسمك أيه؟
يعلم أن إجابته الصمت، كان بين يديه دفتره الخاص وقلم وأخذ يدون بعض الأشياء وقبل أن يواصل حديثه معها كان الطبيب سامي يقتحم الغرفة وعلى وجهه أمارت الفزع وهدر آمرًا:-
- يلا الكل يرجع يقفل الستاير دي ويضلم الأوضة.
انتفض قيس من مقعده وقال باعتراض:-
- كدا غلط كبير يا دكتور .. إزاي عايزنها تتعالج بالطريقة دي .. دي زنزانة مش غرفة في مستشفى كبيرة زي دي..
ردد الأخر بصرامة ونبرة لا تقبل النقاش:-
- دي أوامر يا دكتور قيس وأرجوك متفتحش علينا أبواب جهنم، وبعدين متحاولش تعالجها لأنها مستحيل تستجيب .. هي هتموت وهي مكانها كدا..
وخرج بغضب تاركين إياه بعد أن غرقت الغرفة في الظلام مرةً أخرى..
كلمات أشبه بالكثير من الألغاز العجيبة، ما هذا الهراء الذي تفوه به للتو، إنها جريمة!!
كان يتنفس بعنف وصدره يعلو ويهبط بجنون ليحاول تنظيم أنفاسه وهو يستدير نحوها ليراها مازالت على نفس الوضعية..
اقترب منها ينظر داخل عيناه التي تومض بشكل عجيب بلونها الزبرجدي تقابل أعينه البُندقية الحادة ثم ردد بإصرار أمام وجهها:-
- هتتعالجي وهرجعلك الحياة وهتعيش حياة سعيدة وهخرجك من الظلام ده بإذن الرحمن..
وعلشان أبدأ رحلة العلاج صح لازم أعرف أنتِ مين وحياتك كانت إزاي وأيه وصلك للمرحلة دي!
هوصلك وهفك لغزك يا .....
وصمت قليلًا ليهمس بإصرار:-
- يا ... قدر.
وخرج من الغرفة كالإعصار تاركها وسط ظُلماتها..
                  ****************
أبعد عويناته ينظر لهذه الطبيب المنتقل حديثًا للمشفى باهتمام، ظل يطالعه قليلًا فزفر قيس بملل وقال:-
- أيه يا زكي هتفضل تبصلي كتير كدا وكأنك أول مرة تشوفني ولا تعرفني..
لازم تساعدني بأي معلومة تعرفها عن قدر..
في حاجة غريبة أنا مش فاهمها.!
علّق زكي المسؤول عن الأرشيف بسؤال متعجب:-
- مين قدر؟!
طالعه قيس وهو يكاد أن يجن من بروده ليتدارك زكي قائلًا:-
- قصدك المريضة إللي في الأوضة رقم ٢٠..
ردد قيس بسخرية:-
- وهي ملهاش اسم يعني!! .. ملفها مكتوب إن اسمها قدر حتى الاسم الثلاثي مش موجود .. قدر كدا وخلاص .. ومفيش أي معلومات عنها أبدأ من عندها العلاج..
نطق زكي وهو شاب في بداية الأربعين من عمره بهدوء:-
- بصراحة متعودين نقول المريضة رقم ٢٠ .. ممنوع نطق اسمها..
جحظت أعين قيس باستنكار ليُكمل زكي بنُصح:-
- بص يا قيس أنتَ لسه جديد هنا ومتعرفش حاجة .. فخد مني النصيحتين دول لله وعلشان أنا بحبك..
متحاولش تتدور ورا المريضة رقم ٢٠..
مفيش هنا أي معلومة عنها أقدمها ليك ولا نعرف عنها حاجة إحنا كموظفين صغيرين..
الأوامر إللي تخصها بناخدها من المسؤولين الكبار وصاحب المستشفى..
وأنت كمان لازم تنفذ الأوامر علشان مش تتأذي ومتفكرش كتير يا دكتور قيس..
وتركه وذهب .. تركه في دوامة تبتلعه، للمرة الأولى يجابهه شيء كهذا..
منذ تخرجه وهو يعمل بكافة المراكز والمشافي المختلفة غير السبع سنوات الاحترافية بخارج البلاد بأعرق المشافي الأجنبية حتى أصبح اسمه يلمع في الأفق ... الطبيب قيس البنا..
والآن يقف عاجزًا خاوي اليدين أمام ... قدر..
رؤيتها لمرة واحدة نجحت في استحواذ فِكره وشحذ إهتمامه..
فمن هي قدر، وما الذي حدث لها، ومَن خلف هذا كله؟!!!
خرج يسير بالممر بشرود وعقله يعمل بجميع الجهات حتى توقف أمام الغرفة النائية التي تحمل الرقم (٢٠).
ودون تردد دلف للداخل لعله يصل لشيء لكن فور أن وقعت أعينه فوق الفراش حتى توسعت أعينه بصدمة....
وهمس دون إدراك:-
- قدر..!!
يُتبع..~

متنساش ان الرواية موجودة كاملة في قناة التلجرام والواتساب
- هي فين .. قدر فين؟!
نطق بها وهو يقف على أعتاب الغرفة بأعين مرقوش بها التعجب، رفع أعينه يُمشط بهم أركان الغرفة لكن لا وجود لها..
حرك أقدامه بالممر يبحث عنها بخوف ليُسارع نحو أحد الممرضات المقبلة عليه يتسائل بتلهف:-
- لو سمحتي .. هي فين قدر وليه مش موجوده في غرفتها..
كررت بتعجب واستنكار:-
- قدر!! قصدك مين يا دكتور!
صاح بنفاذ صبر واستهجان من هذا الأمر ومحوهم شخصها وهويتها:-
- أقصد المريضة إللي في غرفة رقم ٢٠..
أجابته بتدارك متعجبة من عدم معرفته شيء هام مثل هذا بينما تُشير لأحد الممرات البعيدة الجانبية:-
- في أوضة الكهربا .. دا ميعاد جلسات الكهربا بتاعتها..
تخشب قيس بأرضه وقد سقطت الكلمات على أسماعه كصاعقة عاتية، همس بجنون وعدم تصديق:-
- جلسات كهربا!!
ولم يسمح لنفسه أن يستغرق في الصدمة أكثر من ذلك وأطلق لقدميه العنان يركض بالممرات الملتوية حتى اقتحم أحد الغرف بعنفوان ليقف العالم من حوله ويسكن كل شيء حين وقعت أعينه على مشهد لن ينساه مادامت الروح تنبض بجسده..
مزق الألم كل مُمزق بداخله وشعر بثوران من نار يمور بداخل قلبه وهو يراها مُكبلة بعدم رحمة بينما هناك العديد من الوصلات والأسلاك تطوف بها ...يديها ورأسها وهي تحت تأثير الكهرباء والتي نتج عنها انتفاضات عنيفة لجسدها وانتفاخ أوردتها نتيجة المقاومة ... تنتفض بين أيديهم كالذبيح وأعينها مسلطة على سقف الغرفة بثبات..
قطع قيس المسافة التي تفصلهم بتلهف وهو يقوم بفصل هذا الجهاز اللعين ويفصل جميع الأسلاك المتصلة بجسدها ورأسها برِفق..
انحرفت أعينها الوامضة بغرابة نحوه ترمقة برمقة أكثر غرابة منها .. رمقة كانت بمثابة لغز لقيس وعليه إيجاد حلٌ له بأسرع وقت..
صاح يزمجر وهو يضرب الجهاز بعنف:-
- أيه إللي بيحصل هنا .. إزاي تعملوا حاجة زي دي .. ليه عدم الرحمة دي ومُصرين تعذبوها، هي جايه هنا علشان تساعدوها ولا تدمروها...
إللي عملتوه ده ممنوع وهتروحوا في ستين داهية..
امتلئت الغرفة بالممرضات والكثير من الأطباء الذين أتوا على صياح قيس الجهوري الذي انتشر بأرجاء المكان..
نظر الطبيب المسؤول بتحذير إلى قيس وأردف بحزم:-
- ودي طريقة علاج يا دكتور قيس، وزي ما قولنالك هي منتهية ومفيش أي فايدة معاها حتى الكهربا..
فالأفضل تسيبنا نشوف شغلنا ومتدخلش فيه تاني علشان العواقب وحشة جدًا فوق ما تتخيل..
ازدادت شراسته ونضح وجهه بالرفض وهو يصرخ:-
- طريقة علاج إزاي يا دكتور دا أنتوا قاصدين تأذوها .. إزاي أصلًا تعرضها لجلسات الكهربا بدون تخدير وبالقوة دي، دا ليه مُسمى واحد بس وهو التعذيب..
هي مش محتاجة صدمات كهربية وكمان ثنائية الجانب يا دكتور دي ممكن تموت تحت إيدكم، وبعدين مش أنا الدكتور إللي مسؤول على الحالة إزاي تتصرفوا كدا من غير علمي..
تبادلوا مع بعضهم البعض النظرات القلقة أمام نظرات قيس الناقمة التي يتطاير منها الشرر والقوة..
انحنى قيس يزيح المسارات الكهربائية والأقطاب من رأس قدر برِفق بينما نظراتها كانت مازالت مثبتة ميتة لا حياة فيها..
ينظر لها وهو على حافة الجنون ووجهه معقود فكيف تحملت هذه الألام وهذا التعذيب الغير إنساني؟!
لماذا لا تتوجع .. لماذا لا تصرخ .. لماذا لا يتجلى الألم على ملامح وجهها وبداخل عينيها!!
كيف لها ألا تبكي؟!
أشار للمرضات ليعاونوها على الوقوف ومساندتها للذهاب لغرفتها، فاستقامت قدر بصمتٍ تام وأخذت تسير بصحبتهم بخوار أصاب قلب قيس في مقتل وهو يشعر بألم جمًا بقلبه حين رؤيتها، ألم لا يستيطع كبحه، قلبه مُلتاع لما يراه أمام أعينه. 
استدار نحو الطبيبان بوجهٍ متشرس وغضب ملتهب كالبركان الثائر، ردد أحد الطبيبان بوجه ممتقع بالإستياء:-
- هتعرض نفسك لخطر كبير يا دكتور قيس وأحنا حذرناك .. أحسنلك أبعد عن المريضة دي..
أنت زي أخونا الصغير ودكتور ناجح وحرام مستقبلك يضيع..
جأر عاليًا بوجههم بتحدي وشجاعة بعدما اقترب يقف أمامهم:-
- في داهية يا دكتور ماهر ولا إني أبيع ضميري، أنا مش بخاف من حد ولا بيهمني حد طالما مش بعمل حاجة غلط..
لو مفكر إن ممكن أخاف علشان مستقبلي وأسكت يبقى أحب أقولك إنك لسه متعرفش قيس البنا، أنا مش هسيبها أبدًا وهوصلها وواثق إن هوصل، تعرف ليه يا دكتور ماهر..
علشان أنا قوي .. معايا قوة تغنيني عن الكل وتحميني من أي حاجة..
إللي بتعملوه في المسكينة دي ميرضيش ربنا أبدًا وأنا لا يمكن أشترك فيه أبدًا..
ورحل خارجًا كالإعصار بعدما بصق كلماته القوية بوجوههم التي شحبت باصفرار ليردف الطبيب ماهر باضطراب:-
- مجنون وهيودينا ويودي نفسه في ستين داهية هو مش عارف بيورط نفسه مع مين، لازم نبلغ الدكتور سامي بأسرع وقت..
وافقه الطبيب الأخر بخوف جليّ وقد أصبحت وجوههم تحاكي الأموات في شحوبها..
         _______بقلم/ سارة نيل______
بعدما طرق بخفة فوق سطح الباب دلف بعدما ثبّط من ثوران غضبه ورسم إبتسامة هادئة فوق فمه، رأى الغرفة تسبح في ظلامها، غرفة بها ظُلماتٌ بعضها فوق بعض..
وهي ... مازالت على نفس الحالة التي رأها بها في المرة الأولى..
صامتة ... شاردة .. ساكنة .. غامضة يُحيطها هالة عجيبة.!
نعم لا يُثيرها أي شيء لكنه سينجح في إثارة إهتمامها، سينجح في جذبها له..
جرّ المقعد حتى جلس بالقرب من الفراش ثم أخرج هاتفه وقام بتشغيل الإضاءة الخاصة به، بدأ في الحديث بلهجة لينة وعلى الرغم من هذا مُشبعة بقوة عجيبة:-
- تعرفي .. مهما بلغت قوة أي حد ومهما بلغ تجبره في قوة أكبر منه، في قوة كبيرة أووي وقدرة ملهاش حدود، وهي معاكِ مستحيل أي شخص يهزمك أو يهزك...
تعرفي فين القدرة دي .. تعرفي أيه القدرة إللي ملهاش حدود؟
كان يُتابع ملامحها بدقة وردود أفعالها عَله يعثر على الفضول أو تساؤل ما نمى على وجهها لكنها كانت محتفظة بوجهها الخالٍ بمهارة وجدارة..
فابتسم هو وأجاب هو عن تساؤله بكلمة واحدة حملت سكينة غامرة:-
- الله...
كان يتحدث وأعينه مثبتة على ملامح وجهها لتنفرج أساريره وهو يرى ردة الفعل التي رصدتها أعينه بدقة..
للوهلة الأولى توسعت أعينها الزبرجدية اللامعة وجعلت تفتحها وتغلقها مراتٍ عِدة فاستغل هو إنصاتها الجيد له وأكمل حديثه:-
- أنا بس عايز أقولك يا قدر إن مهما كان مين إللي أذاكي ووصلك للحالة دي مهما كان قوي ومتجير في إللي أقوى منه وإللي يقدر ينسفه من على وجه الأرض، موجود إللي تتقوي بيه وتبقى في حمايته مطمئنة..
أنتِ صبرتي لشهور طويلة يا قدر وعايزك بس تعرفي أن الصبر يتبعه النصر وثمرة الصبر الظفر، الظلام ده هينتهي وهتقدري تخرجي منه بلطف الله وقوته .. أنا واثق أنك مش هتسيبي نفسك كدا أبدًا .. أنتِ بتحبي قدر وهتساعديها..
طالع ملامحها ليجدها مازالت على سكونها وجمودها فهتف يقول بلطف:-
- ممكن بس أقعد هنا عشر دقايق أو ربع ساعة كدا، بصراحة الأوضة بتاعة الأطباء بتبقى زاحمة أووي..
ثم رفع بين كفيه مصحفه الذي كان يحمله وأخذ يقرأ وِرده بصوت خاشع هادئ وظلّ يتلو بصوت وصل لأسماعها وفور أن وصل لهذه الأيات من سورة الشعراء يتلوها بخشوع..
{ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ} { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} { وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ} { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} { وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ}{ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} { رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ}{ وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}
ارتعاشة شديدة أصابت بدنها وهنا تصنم قيس ونمت إبتسامة عميقة على فمه بسعادة وقد دمعت عيناه حين رأها تلتفت له بسكون تنظر له بثبات ثم ابتسمت إبتسامة عريضة والدموع تنهمر من خرزات الزبرجد خاصتها بألم من بين إبتسامتها..
         ________بقلم/سارة نيل_______
الليل الملتحف بالسواد، الأسوار المنيعة، الكاميرات الدقيقة، الرجال الغشيمة لم تقف حائلًا..
جسد متشح بالسواد فوقه سواد الليل ووجه مُلثم لا يظهر منه إلا عينيان حادة سوداء تحمل بين طياتها نار مُلتهبة ستحرق الجميع..
قفز هذا الجسد الذي ينعكس ظله على جدار الشرفة وبمهارة بأداة حادة فُتح باب الشرفة بنجاح...
وببطء وحذر تخطى الشرفة حيث الغرفة ليصبح فعليًا بين جدران قصر (البحيري)..
من يصدق هذا!! قصر البحيري..!
تنام بهناء بعالم الأحلام قريرة العين وسط أجواء أمنية حاشدة ورفاهية لا تنعم بها سوى (مُنى البحيري)..
ترمقها تلك الأعين السوداء بكُره شديد وتتوافد الذكريات أمامها، نيران تتقد بالروح لا سبيل لانتطفاءها..
غرز بذراعها إبرة بها مخدر طفيف ثم أخرج لاصق متين واقترب هذا الجسد منها مُكمكم فمها بمتانة وقام وقيدها بأحبال ثقيلة جعلت حركتها وتململها مستحيلًا..
ووسط الظلام أخرج سكين حاد وبكل قوة وألم وغلّ وقسوة رفع ذراعية لتنغرز بكتف تلك النائمة بقسوة جعلتها تفتح عينيها على وسعهم وتشهق شهقة تردد صداها بجوفها وهي لا تستوعب ما يحدث سوى ألم فظيع لم يعتد عليه جسدها يومًا .. جسد لم يجد سوى الرفاهية والتدليل..
وسط الظلام الذي يتخلله ضوء ضعيف لم تلمح سوى محاجر سوداء ترمقها بشر جحيمي..
ولم يُلهمها وقت للإستيعاب وانهال عليها بطعنة أخرى أكثر قوة بفخذها جعلتها تصرخ بقوة تمزقت لها أحبالها الصوتية كان موطنها جوفها فقط...
ظلت تتلوى وهي تنظر له برجاء ووجهها أصبح غارقًا بالدموع الحارة لكن لم يرق قلب الأخر ولو قليلًا وهو يجعل جسدها خريطة من الجروح والطعنات الغير مُميتة، الغرض هو التعذيب فقط..
وفي الأخير قَلبها ليتبين لهذا المجهول كتفيها من الخلف ثم مدّ يده يخرج زجاجة صغيرة بها مادة مجهولة تحت ذعر تلك التي تتلوى بجنون علمت محتواها على الفور فور أن سقطت على كتفيها تأكل جلدها ولحمها ولم تكن سوى مادة كاوية مُذيبة...
توسعت أعينها وهي تشعر بألم لا يُحتمل وتهمهم بجنون وإلى هذا الحد لم تتحمل الألم وسقطت فاقدة للوعي..
فتحرك هذا الجسد المجهول خارجًا بحذر وهو يشعر بالسلام فذاك الثأر الأول ومازال خيط الإنتقام به الكثير مِمَن ينتظر دورهم...
أغلق باب الشرفة بكفيه التي يغطيهم قفازات سوادء كسائر ملابسه.... ورحل وهو يتوعد للبقية بالويلات..
 فارتقبوا فالحكاية لم تبدأ بعد....!
يُتبع..~

- هتروحي مني فين يعني يا قدر، أحسنلك تخرجي يلا هنا..
وارتفعت ضحكته البغضية تصمّ أذنها فخرجت من خلف هذا الجدار تركض بعزمها كُله غير آبهةٍ لجروحها وكدماتها فما يُعنيها الهروب من هذا الشيطان وإن كلفها الأمر ألا يبقى بجسدها شبرًا إلا جُرح وكُسر..
لكن كيف الهروب من الشيطان!!
يديه كانت تجذبها بكل قسوة تقبض على ذراعيها بعنف كاد أن يُحطم عظامها صرخت بألم وجحظت أعينها برعب ونبض قلبها المرتعب يكاد أن يصم أذنيها..
أقترب منها يُهسهس في أذنها بفحيح:-
- تعرفي أنا بستمد طاقتي منين قدر..!
بقت منكمشة على نفسها تُغمض أعينها التي ينجرف منها دموعها الحارّة ليُكمل فحيحة قائلًا بمرض:-
- من الرعب إللي شايفه في عنيكي ده، قمة اللذة وأنا شايف وحاسس خوفك..
بس تعرفي بردوه أنك مش سهلة يا قدر..
دي المرة الكام لمحاولة هروبك مني .. هااا..
كلمته الأخيرة أتبعها بصفعة قاسية اسقطتها أرضًا لتزحف بحماية للخلف ليعلو صراخه المجنون يشق الليل:-
- المرة الكام يا قدر انطقي .. متعرفيش عددهم..
إزاي متعديش حاجة مهمة زي دي ووصلات العذاب إللي بتاخديها بعد كل مرة...
وانحنى يهمس أمام وجهها مبتسمًا:-
- أنا بقى عارف عددهم ... حاولتي تهربي ١٤ مرة غير نظرات الإشمئزاز إللي ماليه عيونك دي..
أنتِ مش ناوية ترحمي جسمك من الأذى صح..
وأنا بصراحة مش ناوي أرحمك علشان تعرفوا أنتوا وقفتوا في وش مين واتجرأتوا واتحدتوني..
وغمس كفه القاسية بخصلاتها يسحبها بشدة وقسوة وهو يجرها تحت مقاوماتها التي لا تنضب مادامت الروح تدب بجسدها..
- محدش هيرحمك مني يا قدر .. محدش يقدر يخلصك مني..
رفعت رأسها تنظر للسماء بتلقائية وأعين يغشاها الدموع .. نعم لم تنطق ولم تستنجد لكن قلبها وأعينها كانوا مُكللين بالرجاء واليقين بأنه من سيخلصها..
وفجأة وجدته يسحبها بسرعة نحو طرف المسبح ثم دون أن تستوعب كان يغمس وجهها أسفل المياة. 
ظلت ترفرف بذراعيها وتتملل بقوة ورئتيها تستغيث مطالبةً بذرات الهواء فسحبها هذا الشيطان من خصلتها للأعلى..
شهقت تسعل بشدة وقد اكتسب لون وجهها لون الشفق وهي تسحب الهواء لرئتيها سحبًا ليغمس وجهها مرةً أخرى متلذذًا بعذابها ومن يراه للوهلة الأولى يجزم أنه مريض..
وعلى حافة الشُرفة كانوا يتراصون يشاهدون ما يحدث بشماتة وسعادة وافتخار..
تعالَ صوت أحدهم وهي ترسل لُه زجاجة صغيرة وتقول بتشجيع:-
- أحسن حاجة تعملها عاهة مستديمة، ماية النا"ر الحلّ في أنك تشوه جسمها ويسيب لها علامة تفضل فكراك بيها وكل ما تيجي تهرب تاني تفتكرك..
ولم تكن سوى "مُنى البحيري" التي لا تقل ملامحها شيطانية عن ملامحه....
نمت إبتسامة شيطانية على محياة وهو يتطلع للزجاجة ثم لقدر وردد بخبث:-
- عندك حق يا مُنى .. والله طلعتي زكية وبتفهمي..
رمقت قدر الزجاجة بين أصابعه برعب وجفونها المحمرة متوسعة وحركت رأسها بنفي بينما الماء يُبلل جسدها وينساب من شعرها ووجهها...
تلوت محاولة الهروب وقد أصابها الفزع الأكبر لكن كان أقوى من محاولاتها البائسة وقد جثم فوق جسدها يقتل تحركها وهو يفتح الزجاجة ولم تتوقف محاولات قدر المجنونة للفرار وهمس هو بأذنها بظفر:-
- وشك الجميل مقدرش أشوه يا صبارتي ولازم أخليكِ فكراني عالطول ... يبقى نضحي بكتفك الحلو ده...
ولم يمهلها وقت تستوعب مرضه وهو يسكب محتوى الزجاجة على كتفها لتشق صرخاتها سكون الليل:-
- لاااااااااااااااااااااا..
ليُسرع هو في تكميم فمها .. حتى حق الصراخ حرمها منه ليكون مصير هذه الصرخات الدامية بداخلها وبجوفها وقلبها .. صرخات وألم لا يُنسى..
شهقت بفزع وهي تنتفض من فوق الفراش بعد معركة ناشبة من التململات الجنونية..
ظلت تتنفس مسرعة وصدرها يعلو ويهبط من هذا الكابوس، عفوًا ليس كابوس وإنما ذِكرى .. ذِكرى لم ولن تنتهي..
التفتت حولها وهي تمسح وجهها البارد والذي يقطر منه عرقها لتجد الغرفة كعادتها سابحة في الظلام...
تمددت قدر مرةً أخرى وظلت أعينها تتأمل وشاردة في شعاع هذه الضوء الطفيف المتسلل وسط الظلمة حتى سقطت في نومٍ عميق مرةً أخرى..
              ______بقلم/سارة نيل______
في جوف الليل استيقظ قُبيل الفجر خرج من منزله الصغير المتواضع الذي يقع في طرف أحد الحارات ثم توجه للمنزل المجاور له وبعد طرقته المعهودة على سطحه فُتح له، ابتسم قيس ببشاشة قائلًا وهو يدلف للداخل:-
- كالعادة صاحي يا حاج..
ربت رضوان على كتف قيس وقال:-
- خلاص بقى بقالي سنين على نفس الحال يا ابني .. اتعودت وبقيت أقوم تلقائي..
جلس قيس بجانبه فوق الأريكة وأردف بحنين وهو ينحني يُقبل يده المجعدة:-
- ربنا يتقبل منك يا أبويا.
شعر رضوان بالحنين يملأ قلبه وربت على رأس قيس وقال باشتياق:-
- وحشتني يا قيس ووحشني كلمة أبويا منك يا ابني، سفرتك المرة دي طولت أوي..
تنهد قيس وقال:-
- أنت وحشتني أكتر يا حاج رضوان بس كانت معايا دعواتك وبركتك وفضلت على عهدك..
كان لازم أتغرب وأتعب واجتهد علشان ابني نفسي وأقف على رجلي وانجح ورجعت وكل المستشفيات بفضل الله بتتعارك عليا ببركت دعاك يا أبويا..
ردد رضوان بفخر ومن يرى الفخر الذي بعينيه والحنان الذي ينفجر على ملامحه يعتقد أن قيس حقًا ولده من صلبه وليس فقط صبي ابن جاره قام بتربيته والإعتناء به بعد وفاة والدته وتلهي والده عنه بعدما تزوج بإحدى السيدات الأغنياء والتي اشترطت عليه قبل أن تتزوجه بتركه لولده بعيدًا عن حياتهم ومجتمعهم المخملي الراقي، فقبِل لأجل أن يقتحم هذا العالم المخملي والذي حلم كثيرًا اعتناقه وقد جاءت له الفرصة وكان عليه اغتنامها غير آبهٍ بهذا الصبي الذي بالكاد تم التسع سنوات، ليقوم إمام المسجد الشيخ رضوان وزوجته بالإعتناء بقيس الذي تُرك وحيدًا في هذا المنزل الصغير وكان والده يكتفي فقط بإرسال القليل من المال مع حلول كل شهر وزيارته بضع دقائق..
وفي كل محنة منحة فقد أحسن الشيخ رضوان تربية قيس والإهتمام به وزرع في قلبه الرحمة والرِفق والإيمان وحب الله عز وجلّ فنشأ قيس في كنف والده رضوان الذي أصبح له كل شيء وتناسى الماضي ومراحل الألم التي مر بها..
وكان قيس للشيخ رضوان العوض بعد ولده الذي طرده رضوان من منزله والذي لم يبلغ أربعة عشر عامًا وذلك لأجل.....
أوقف الشيخ رضوان استرسال الذكريات في عقله وطردها وهو يقول لقيس الذي يشعر بمقدار حزنه الدفين:-
- راضي عنك يا قيس ولسه ربنا هيعطيك ويعطيك يا ابني، أنت تستاهل كل خير لأنك تعبت واجتهدت واتعذبت وأكيد ربنا هيجازيك، وطول ما ربنا معاك كل حاجة هتبقى طوع إيدك..
قبل قيس رأسه وقال بإمتنان:-
- ربنا يبارك في عمرك يا أبويا ويرضى عنك..
ابتسم الشيخ رضوان بدفء واستقام بثقل نظرًا لتقدمه في العمر وقال وهو يُشير لقيس:-
- مش هتتقدم أنت وتصلي..
جذبه قيس للأمام برفق وقال برفض قاطع:-
- اتفضل يا إمامنا .. مستحيل أتقدم عنك ويلا أقم الصلاة علشان كدا قيام الليل هيفوتنا والفجر هيأذن..
ابتسم رضوان وهو يستقيم ليقم الصلاة وبجانبه قيس يؤدون ما تيسر لهم من قيام الليل..
أتت زوجة الشيخ رضوان وابنتيه يقفون خلف والدهم في مشهد ظلّ يتكرر سنواتٍ عديدة منذ أن كانوا أطفال وظلّ الحال كما هو حتى بعد سفر قيس الذي لم ينقطع عنها وكان يؤديها بمفرده، صورة متكاملة لم يُحذف منها إلا هذا الولد العاق ولم يتغير بها سوى الأعمار وظلت القلوب على حالها مع الله..
         _______بقلم/سارة نيل_______
ضجة عاتية أصابت قصر "البحيري" بعد ما أصاب ابنة "جعفر البحيري" "مُنى البحيري" بعرض موطنها ووسط هذا الكم الهائل من الحراسة والأمان وهي بين أحضان أسرتها..
يقف جعفر بثبات وقوة رغم تقدمه في العمر لكن على وجهه شراسة وشر تجعلك تخشى المرور أمامه .. شراسة وعدم رحمة وإجرام جعل رجال أشداء أمامه يرتعشون رعبًا..
تجرأ رئيس الأمن يقول برعبٍ جلي:-
- جعفر باشا .. الكاميرات ملقطتش أي حركة غريبة والرجالة كلهم والله يا باشا كانوا في أماكنهم ومفيش أي حاجة غريبة حصلت..
ودون أن يرف له جفن رفع سلاحه نحو رؤوس هؤلاء الرجال وتتابع صوت الرصاص يصدح في الأرجاء لينتشر الصمت المخيف في المكان..
التفت نحو أبناءه الذين يركضون في شتى الجهات للبحث عن أي خيط يوصلوهم للفاعل، صرخ بعنفوان وغضب:-
- فارس .. فهد..
أتوا ينفخون بضجر بينما أردف فهد:-
- مفيش أي أثر فعلًا يا بابا..
هتف فارس من بين أسنانه بشر ووعيد يشابه والده في شراسته:-
- يا ترى مين اتجرأ وعمل كدا في أختنا..
تسائل جعفر بصوتٍ حاد:-
- فين عزيز..
زفر فهد وقال بسخط:-
- ابنك الكبير الغالي مختفي بيخلص شغلك إللي محدش يعرف عنه حاجة .. أهو ده أخرتها لما تخليه مسؤول عن كل حاجة .. عن القصر والحراسة .. شوف وصلنا لفين..
حد مجرم اتسلل للقصر وأختي بين الحيا والموت، دا علشان كل حاجة عزيز .. عزيز..
أيّده فارس وأردف بحنق:-
- فهد عنده حق وكأن مش عندك ألا عزيز باشا..
سخر جعفر بداخله من كلمات أولاده، لا يعلون مُكر هذا الثعلب الذي همس بغموض وخبث:-
- ميعرفوش أن مجرد أداة وألة أنا إللي بحركها وعملتها زي ما أنا عايز، عزيز البحيري مجرد لعبة في إيدي وكبش فدا مش أكتر..
وفي هذا الأثناء كانت سيارة سوداء بأحدث طراز تدلف للقصر ويهبط منها شاب على مشارف الأربعين من عمره وسار حتى توقف أمام جعفر البحيري والذي مدّ يده له بكبرياء فانحنى يُقبلها بإذعان واستقام ودعني أخبرك بأنه إذا أحببت أن ترى نسخة أخرى عن جعفر البحيري في الإجرام والشراسة والجنون فانظر إلى "عزيز البحيري" الوجه الأخر للشيطان...
لم يتمهل جعفر وكان كفه القاسٍ يهبط على جانب وجه عزيز فوق لحيته التي عزاها بعض الشيب بقسوة جعلت أعين الجميع تتسع، اقترب جعفر يضع فوهة سلاحه عند حلق عزيز يغرزه بقسوة وهو يقول بفحيح أمامه وجهه:-
- حماية القصر من مسؤوليتك ومع ذلك بكل سهولة حد قذر دخل ووصل لأوضة نوم بنتي ومخلاش حتة في جسمها سليمة وشوهها...
لو بنتي حصلها حاجة مش هيكفيني عمرك يا عزيز أنت فاهم...
توسعت أعينه بصدمة وتفاجُئ انجلى على وجهه القاسٍ متسائلًا بعدم فهم:-
- مني .. إزاي .. وحصل أيه .. طب هي عاملة أيه دلوقتي..
رمقه جعفر بغضب وهو ينصرف بصحبة أبناءه قائلًا بأمر:-
- يلا على المستشفى...
بعد مرور القليل من الوقت كان عزيز يقف بشموخ أمام الطبيب المسؤول عن حالة مُنى يتسائل عن حالتها فأخذ الطبيب يُخبره..
- بصراحة يا عزيز باشا حالة مُنى هانم صعبة، في جروح صعبة في جسمها كذا طعـ..ـنة ونزفت كتير غير إن نص ضهرها إللي فوق اتشوه بماية النا'ر..
جحظت أعين عزيز وسرعان ما ضيقهم بحدة وشيءٌ ما أضاء بعقله بينما كرر بشر:-
- ماية نا"ر!
             ______بقلم/سارة نيل______
- هنعمل أيه دلوقتي يا دكتور سامي، لازم نبعد قيس .. أنت هتقوله وتديله خبر عنه..
التفتت سامي بغضب يقول:-
- أنت بتقول أيه يا دكتور ماهر، أنت عايز قيس ينتهي .. دا إللي بيقف في طريقهم بيخلصوا عليه، وأنا مرضاش الأذية الكبيرة دي ليه ... حرام..
تسائل ماهر بحيرة:-
- طب هنعمل أيه دلوقتي، قيس مش هيسكت ومش هيبعد عنها لأنه حطها في دماغه..
أسند مدير المشفى الطبيب سامي ذراعه على سطح المكتب وأخذ يفرك جبينه ثم أردف:-
- أحنا أهم حاجة عندنا دلوقتي يا دكتور سامي أننا نبعد قيس عن غرفتها النهاردة..
هو جايلها النهاردة ومش عايزينه يتصادف مع قيس أبدًا..
توسعت أحداق ماهر متسائلًا بجزع:-
- هو جاي النهاردة..
- أيوا..
ردد بشرود:-
- ربنا يستر..
             _____بقلم/سارة نيل_____
صفّ قيس سيارته ودلف داخل المشفى وهو يشعر بطاقة تغمره، على الفور توجه نحو غرفة قدر..
ولج لداخلها وكالعادة قابله الظلام الذي يكون أقل حدة بالنهار عن الليل..
ألقى أنظاره فوقها ليجدها مُمدة تستند على ظهر الفراش الحديدي بينما تنظر أمامها بهدوء..
ابتسم وهو يدور حول الفراش قائلًا ببشاشة:-
- صباح الخير يا قدر..
وكالعادة الصمت كان إجابته، ابتسم وقال بينما يضع شيء ما فوق وحدة الأدراج بجانبه:-
- بصي أنا النهاردة يوم مميز جدًا عندي، علشان كدا أنا جايبلك معايا حاجة أيه .. مش هتصدقيها..
أصل النهاردة بعد ما جيت من صلاة الفجر لقيت أمي رحيمة الله يبارك في عمرها بتعمل فطار أيه..!!
أحسن حاجة بحبها وكانت وحشاني أووي وأنا مسافر .. ألا وهو فطير مشلتت فلاحي معتبر..
ففطرت وعمرت نفوخي..
وطبعًا افتكرتك معايا متقلقيش وخليت أمي رحيمة تعبي فطير .. أنا عارف أن أكل المستشفى هنا ملهوش طعم وأكيد مش هيبقى زي أكل أمي رحيمة..
كشف قيس عن الطعام وهو يضعه أمامها بينما يقول بترقب وهو يراقب ملامحها الهادئة ويعلم بعدم إستجابتها يقينًا:-
- يلا دوقي فطير  الحاجة رحيمة وقولي رأيك قبل ما حد يجي ويكتشف الجريمة دي..
ظلّ الحال كما هو لم يلقى منها أي ردة فعل، وغابت تنظر للطعام بصمت حتى بدأ اليأس يتسلل لقلب قيس لكنه صُعق حين رفعت يديها وقربت الطعام منها وأخذت تُقطّع الفطيرة وتغمسها بالعسل ثم ترفعها لفمها تتناولها بصمت وظلت على هذه الحال بينما يشاهدها قيس بأعين متوسعة حتى شبعت وحملت باقي الطعام تضعه فوق وحدة الأدراج مرةً أخرى..
توسعت إبتسامة قيس هامسًا بإمتنان:-
- الحمد لله يارب وأنت راضي عني مفيش حاجة تعجز عليا بإذنك يارب..
مدّ يده لقدر وقال:-
- منديل امسحي بيه .. وبالهنا على قلبك يا قدر.
تناولته منه بهدوء وقد أصبح شعور الأمان يتسرب لقلبها بوجود هذا الطبيب الذي يختلف عن جميع الأطباء المتواجدون هنا..
أخرج قيس من حقيبة ورقية صغيرة دفتر متوسط الحجم باللون الأبيض ومتناثر فوقه فراشات كثيرة متباينة الألوان وقلم ملون يعلوه فراشة صغيرة..
وضعه فوق ساقها ثم أردف بهدوء:-
- دول هدية مني لكِ يا قدر..
لو مش هترتاحي بالكلام، تقدري تريحي نفسك بالكتابة .. ممكن تكتبي إحساسك أو ترسمي حاجة في خيالك أو تحكي عن شخص بتحبيه، أو حتى تشغبطي بدون أي هدف..
ممكن يبقوا تحت مخدتك أو تحت مرتبة السرير لو خايفة حد يشوفهم..
بس إللي عايزك تعرفيه متخافيش يا قدر أنا موجود ومش هسمح لأي مخلوق يإذيكِ وقبل ما أكون أنا موجود فاعرفي وكوني متيقنة إن ربنا موجود وأرحم بيكِ من أي حد .. استندي عليه بكل قوتك وخلي عندك يقين كبير وصدقيني مش هيخذلك أبدًا.
كانت تتحسس الدفتر بشرود وأصابعها ترسم حدود الفراشات وقبل أن يُكمل قيس حديثه كانت طرقات خفيفة تتصاعد على سطح الباب وبحركة تلقائية جعلت قلب قيس يُحلق في سماء السعادة حين سارعت قدر في تخبئة الدفتر أسفل الوسادة..
شعشعت أعينه بالأمل وأذن للطارق بالدخول ولم تكن سوى ممرضة أخبرته أن الطبيب سامي يريده بمكتبه..
حرك رأسه بإيجاب واستقام يقول:-
- تمام .. قوليله جاي..
التفت نحو قدر وقال مبتسمًا:-
- مش هغيب وهرجع عالطول، وخليكِ مطمنة أنا ههربلك هنا كل إللي هتحتاجيه..
كتب وكل الأكلات إللي بتحبيها وأي حاجة محتاجها..
بقت قدر شاردة لتنمو على شفتيها إبتسامة هادئة رقيقة وللمرة الأولى بعد مرور الكثير تشعر بهذا الشعور..
لوهلة فقط شعرت ببوادر رياح لينة رطبة تقترب من قيظها والذي سرعان ما تبدد كل هذا وحل الظلام القاتم على هذه الغرفة بعد أن اقتحمها بهيئته التي تبث الرعب في نفسها، هيئته المليئة بالقسوة والشراسة والعنف والجنون...
اقترب منها لتتضح ملامحه أمامها وهو ينحني نحوها مبتسمًا بمكر وسط الظلام ليشحب وجه قدر ويصفر لونها وهي ترى الشيطان أمامها بإبتسامته الحقيرة التي تجعل قلبها يجفل رعبًا، انحنى يحاوطها هامسًا بفحيح خبيث:-
- أيه يا قدر موحشتكيش .. عزيز جوزك حبيبك مش وحشك ولا أيه يا صبارتي....
يُتبع..~

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-